هلوسات المَاحيا..
هلوسات المَاحيا..
في السماء طيور مُحلّقة ترمي ببصرها للأرض باحثة عن فتَات الخبز أو حبوباً تناثرت هنا أو هناك في غفلة عن من اشترى الأكياس..
لم تعد تُخيفها الفزاعات ولا كلّ ما كان يصنعه البشر ليُرهبوها فتبتعد عن محاصيلهم وغلّة حقولهم السنوية .. خالطت المارة في
الطرقات وشاركتهم السّاحات واللّمات، ناقبةً كل ما تراه ينفع لسدّ احتياجها للقوت ولو كان بين قدميّ إنسان مضطرب.. رست
بأجنحتها
غير عابئة بكل ما كانت تخاله مخاطر ء وهمية ء على حياتها وستحكم عليها بواحدة من النهايتين: إما الأسر؛ أو الموت.. !!
في الوادي أسماك عاندت التيّار وسبحت ضده مجرّاه مدفوعة بحقها في أن تختار اتجاه وجوهها.. جَرف ما جرفه منها وتحمّل الباقون
وعاندوا، مواصلين التحدّي مهما كان الثمن.. انهار منها من انهار.. وطوح التيّار بمن طوّح.. واستمر العناد والطموح معذياً اصرار
من
صمد.. نجحت الأسماك في فرض إرادتها وأجبرت التيار على أن يستسلم؛ فكافأتها الطبيعة بأن جعلت من بيّضها أغلى الأطعمة في
العالم..
على الأرض أقدام تسمع غضب خطواتها الطاج بالآهات والألم.. تشتمُّ رائحة تعبها من السير بلا أمل وبلا بوصلة.. وتحتك الجلود
بالأرصفة في اصطدام عنيف غاضب، فيأتي على شكل ترددات وعيّد لمن كان السبب في مهزلة الحياة ونهاية الطموح وموت الأمل..
تُصغي لوقع الأقدام فيتماهى كنشيد حرية يُلحن على مهلٍ ليُنشد قي ساحات المدن وعلى بوابات الأسواق.. تلتئم القدمان حين تتعبان
ليعاودا السير كأنهما، في لحظة العناق القصيرة، تعاهدا على الصمود للنهاية..
في البحر عشرات السلطعونات تبرّحُ المياه المالحة آملة في حمّام شمس على الرمال.. لسنوات لم يكن يرجع للمياه المتدحرجة إلى
النصف، والنصف الآخر، ابتلعته الطيور المتربصة بالوليمة المتحركة.. لحقبٍ طويلة كانت كل مرة تخسر، ومع ذلك لم تنقرض، أو
تيأس، أو تنسى أمر حمام الشمس الضروري لجسمها.. ابتلعت الطيور
الملايين منها؛ وعاشت. ما ارتكنت للبحر خوفاً من القتل.. بل استمرت وطورت من
وسائل دفاعها؛ فتحولت هي اليوم لقاتل للطيور..
في الطبيعة مئات المشاهد ودورات الحياة التي تمنحنا الأمل.. تمنحنا القوة.. تعطينا
حظاً أوفر لأن من طوّع الطبيعة لخدمته قادر على أن يبحر في لجة صراعه مع الظلم
والاستبداد والطغيان، ومهما خسر؟ ومهما كانت العواقب.. في الأخير..
سيصل لبرّ النجاة ليصنع لنفسه تاريخاً جديد..
تاريخ مُشرف..
حسن الحافة
0 تعليق
إرسال تعليق