مع قهوة الصباح... حسن الحافة - فيديوهات

مع قهوة الصباح... حسن الحافة















عُرف عن توفيق الحكيم أنه كان شديد العداء للمرأة.. ولم يفوّت الرجل أيّ مناسبة ليبدي السخرية منها ويطلق العِنان لضحكات باذخة تدل على أن الرجل مُنتشي بهجومه اللاذع ذاك.. لم يجنّح للسلم وصديقه الرفاعيّ يدعوه ليخفف من حدّةِ هجومه على نصف المجتمع.. هذا التشبيه؛ بالذات، لم يكن يستلطفه ويعوضه " بعصّف المجتمع" كناية على الشر المستوطن بدواخلهن.. احتاجت الإمبراطوريات للآلاف الرجال لتقوم لها قائمة وسقطت بسبب امرأة لعوب.. جثُث تناثرت هنا وهناك وتعفنت بساحات الوغى القاسية؛ والطيور الجارحة تحلّقُ عاليا في انتظار إنجلاء الغبار لتقتات منها.. يستحضر الرجل العباسيين والأندلس والدولة العثمانية.. يتساءل باندهاش؛ لما على الرجل الموت لبناء حضارة ستخرّبها امرأة بضحكة ذاعرة في نصف ساعة.. تساءل مشروع لرجل حكيم..
صاحب الحوار مع "حماره"؛ وما استحضاره لهذا الحيوان إلا استمراره في عدائه لها والتهكم عليها، وفي عديد محاوراته السياسية والاجتماعية والثقافية معه، أظهره أنه أكثر ذكاءاً منها، ولولا أذناه الطويلتان لكان أجمل أيضا.. بلغ االأربعين ولم يتزوج.. وحين كان يُسئل من أحدهم عن السبب في ذلك.. يجيب الرجل بحكمة ورزانة:
- لست مجنوناً حتى أفعل ذلك، وإذا حدث المستحيل وجننت، فلن أجد المجنونة التي تتزوجني.
الرجل باع الوهم لعشرات أتباعه مِن من نهج فلسفته في الحياة وسار على درب عدائه للمرأة.. فقد لمحت جارة له من نافذة بيتها امرأة جميلة يافعة القامة تلج غرفة نومه بشقته.. السيدة لم تصدق ما رأته.. فركّت عينيّها لتتأكد من أن ما رأته حقيقة وليس سرابا عابرا.. كانت هناك؛ فعلاً، امرأة بشقة "عدو المرأة"؛ تلبس لباسا خفيفا وتتنقل بين غرف المنزل الصغير بأريحية وأمان.. الجارة؛ ونظرا لمعرفتها المسبقة بتوفيق الحكيم وعدائيته اتجاه المرأة، حملت سماعة الهاتف واتصلت برئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المصرية - أنذاك - الصحافي مصطفى أمين.. يحكي هذا الأخير أنه لم يصدق شهادة الجارة وظن أنه "مقلب" من مقالب الرجل المعروف بها.. لكن اصرار السيدة على أن ما شاهدته حقيقة، دفع به لإرسال صحافية لتتبع بيت الرجل عن كثب.. رابطت الصحافية بشرفة الجارة المطلة على بيت توفيق الحكيم من بزوغ الشمس لمنتصف الليل، وفعلا، شاهدت بدورها امرأة هناك، ظهر فيما بعد على أنها زوجته..
نفى توفيق الحكيم الخبر نهائيا حين واجهه به مصطفى أمين.. فما كان من الأخير إلا أن هدده بنشر خبر زواجه بالصفحة الأولى من الجريدة.. مع هذا المعطى الجديد، والذي كان سبباً رئيسيا في احتفاظه بسرية زواجه، اعترف في الأخير أنه تزوج بجارة له.. وبعد أن سمح بإجراء حوار قصير مع زوجته، أطلعت مصطفى أمين أنها عزمت على اسقاطه في شباك حبها ما إن علمت بكونه يسكن الشقة المقابلة لسكنها.. اطلعت على كل كتاباته وما كُتب حوله وفِيه.. وطلبت من والدها دعوته ما من مرة على العشاء فتحاوره محاورة أدبية بعيدا عن غنج ودلال النساء.. انبهر توفيق الحكيم بثقافته ومعرفتها بتفاصيل كتاباته.. فوقع في حبها...
وتزوّجها...
قائلُ: "الرجل جنس لطيف والمرأة يا لطيف"؛ أنيس منصور، والمعروف عنه عداءه الشديد للمرأة، عاش حياةً زوجية سعيدة جداً.. تخبر زوجته الصحافية سناء التُهامي أن أنيس بالبيت ليس أنيس الصحافي والكاتب.. عديدون لم يصدقوا كيف لكل ذاك الحقد أن يتحول لحب بين أربعة جدران.. وفيما كان يقوله في لمّة أصدقائه بمقعى العطارين بمسقط رأسه؛ أنه كان فقط يخاف أن يشعر أحدهم بنفس لذة ما كان يشعر به مع زوجته، فارتأى استمرار هجومه على المرأة.. يقول ذلك مازحا شلة من أصدقائه الساخرين منه، ومن تنازله عن عرش كبريائه بسبب امرأة...
لا أحد يتذكر أمّ شوبنهاور رائد الفلسفة التشاؤمية.. وهذا ما تنبأ، هو، به، لها ذات أمسية وهو يغادر البيت للأبد، صارخا في وجهها "لن تريّ وجهي بعد اليوم".. توفي والده وورثت والدته ثروة كبيرة عنه، فكانت تنظم أمسيات أدبية تدعو لها كتاب ومؤلفين وتغذق عليهم بالعطايا مقابل التصفيق لنصوصها القصيرة.. كان شوبنهار يسخر منها ومن كتاباتها، وبأنها تفتقر للإبداع والقوة ومجمّل ما تقوم به مضيعة للمال والوقت فقط.. تلك الأمسية، وحين غادر ضيوفها البيت، صرخ بوجهها كما العادة بأن مسعاها لأن تصير كاتبة لن يتحقق، فدفعته ليسقط أرضاً ويقول جملته الشهيرة :
- لن يتذكرك أحد، وإن حدث وتذكرك أحدهم فسيحصل ذلك على أنك والدة شوبنهاور..
علاقته بأمه خلقت له عدائية اتجاه النساء بصفة عامة.. لكن، وفي مقابل هجومه اللاذع عليهن، كانت له صديقة ألمانية جميلة يرتكن لها بين الفينة والأخرى.. تقاسم معها ثلاثة وعشرين سنة من حياته وترك انصاره يغرقون في وحدة قاتلة ...
استحضار هذه الأسماء كان لسبب واحد..
"بيعوني العجل"؛ وهم من كانوا يرمّحون بين أحضان حبيباتهم كقردة الشامبانزي.. دفعوا بي لأن أعادي المرأة بدون سبب.. فقط كاعتراف بأفضالهم عليّ في الأدب والفلسفة.. ولولا "خدوج"؛ الله يعطيها الخير، والمتحملة لحماقاتي بين الفينة والأخرى..
لبحثت عن قبر توفيق الحكيم وبلّتُ عليه...


0 تعليق

إرسال تعليق

أكتب لتعليق ...لك حرية الرأي والتعبير