قصة قصيرة ...... " زفاف طليقي "
بعد عامٍ كامل من انفصَالنا التقينَا لأوّل مرّة ، كانَ هو عريسًا وأنَا واحدَة من المَدعوين ..
لا أنكِر أن تلك الليلة كانت سابقَة لي في ارتِداء القفطَان ، لحضور زِفَاف ما .. لأنني عمُوما أفضّل اللبَاس البسِيط ، لكن شيئًا ما جعلنِي قبل أيّام من المنَاسبة أشترِي الفستَان ولو بذلك الثّمن الباهض ، الأهَم أنه لاءمني جدًّا ...
عندَما دخلتُ القَاعة ، عادَ شريطُ حفل زفافنَا تلقَائيا إلى ذاكرَتي ، قبل خمس سنوَات دخلتُ نفس القاعة كعروس لنفس الرجُل ، واليوم سأراقِبه من بين الحاضرين ، كغَريب ! إحساس مختَلط خالجَني ...
كانَ مقعد العروسَين خاليا أنذَاك ، بحثتُ عن والدَتي فأخذت مقعدِي بجانبهَا ، أحسستُ وكأَن كل العيُون علي وأنَا أشقّ الطريق بين المَوائد .. كانَ الجو هادئًا ورومانسيا ، تنَاوبت الألوان الدَّافئة ، وأضفَت لمسَة ساحِرة على المكان ، بينَما كنتُ أتبادَل أطراف الحَديث مع أمي حطّت يد خَفيفة على كتفِي ..:
ـ هدى ! يا لهَا من مفاجَأة جميلة ، صراحَة لم أكُن أتوقّع مجيئك !!!
استدرتُ عندها وقمت من مكانِي لأبادلها التحيّة..
ـ هاه ! أنتِ .. لم أكن لأفوتَ الحفل وأرفضَ الدعوَة .. وأنت تَعلمين جيدًا علاقتِي بهذه الأسرَة !
ـ ٱه ، أعرف ، فقَط كنتُ أقصِد أنه زفاف طليقِك وابنةُ خالتك ، ورغم الخيَانة والمشاكل ووو ،، ولذا اعتقدتُ أنه صعب تواجدكِ فيه !
ـ لا عليكِ أختي ، ذلك من الماضِي الٱن ، أتمنّى لهم حيَاة سعيدَة ..
ـ ولكِ أيضًا ، بالمنَاسبة حدّيثيني عن أحوالك وأمُورك ؟!!!
استرسلنَا في الحديث وتوالَت لقاأتي معَ أفرادِ عائِلته وعائلتِي ، وأغلَبهم كَان يستَغرب حضورِي .. ولستُ ألومهُم على ذلِك فقصّتنَا كيف بدأت بحب وانتَهت بخيَانة مع أقرب فتَاة لي تستَدعي بحق الاستِغرَاب والتّعجب من وجودِي تلكَ الليلَة ...
عندَما دخل العروسان إلَى القاعَة ، شعَرت بوخز في يسَار صدري ، تلكَ المضغَة اللعينَة ذكّرتني بشعُور صادقٍ استَولى علي ذاتَ يوم ! لاحظت وكأنّه يبحث عن شخصٍ ما ، فيمَا كنتُ أبحث أنا عن علامة مَا تدُل ولو بنزرٍ يسير على أنّه تذَكّرني ! ابتسمتُ لسذَاجتي وتابعتُ الأحدَاث بِصمت ...
العرُوس جمِيلَة ، صغيرَة وأنيقَة ، تصغرُني بسنَتين ،كانَت الأقرَب إلي من كل أفرَاد عائلتي ، وبحُكم أنّي بلا أخت كانَت هي بمثَابة أختِي ، صدَاقتنا كانَت قوية ، من طفُولتنَا معًا ، كبُرنَا معًا ودرسنَا معًا .. وحينَ تعذّر عليهَا الالتحَاق بالجَامعة لبعدِها اقتَرحتُ بصدر رحبٍ أن تقطُن معي ، لأنّي كنتُ أعتبرهَا أختِي وثقتِي بهَا كبيرَة جدّا ، لكن شاءَ القدَر أن تكُون ظنونِي في غير محلّها ..
حين افتَرقنَا كانت عِلّته أني بعد أربع سنوَات لم أُرزق بولَد ، إذًا أنا عقيم ، رغم زياراتِي المتوَالية للطّبيب ، تقَبلت قرَاره برضى وتيمنتُ فيه خيرًا .. فيمَا رفضتُه عائلتُه وبشِدّة ، لأن علاقَتي بهم كانَت وطيدَة ، لكنّه أصر فمضى فيمَا أراد .. وبعدَ إتمَامنَا إجرَاأت الطّلاق بأسابيع سمِعت خبَر طلبه ليد ابنة خالتي ، وبعدَها ببرُود أخبرَتني أن العلاقة بينَهما كانَت سبب طلاقنَا لا العقم !!
كانَت صدمَة قويّة لكن إيمَاني أقوى من أي صدمَة ..
الزّفَاف كانَ عاديًا ، بفقرَاته المملّة وترفه وأزيَائه المبهرَجة ، ببَذخه في المأكولَات ، وبكُل ما فيه ...
تلاقَت أعيننَا عدّة مرّات تلكَ الليلَة ، رغمَ أني تحَاشيتُ النّظر تجاهَه لكِن ذلكَ الرّابط المقَدّس الذِي جمعَنا يومًا ما زاَل أثرُه في القَلب ، يجعَلني تلقَائيا ألتفت إليه ..
كنتُ سعيدَة ، مبتَسمَة طول الحفل ، عكس ما كنتُ أتخَوف منه ، تلكَ الدمعَة التِي حذرّتني منها أمّي لم تخنّي ، ولم تملأ عينِي نهَائيا ..
في ٱخر الحَفل كان لزَامًا علي أن أبَارك لهم وأسلم لهُم هديتِي البسيطَة ، وجهًا لوجه نَطقتُ بتلك الأحرف ، شعرتُ بقوّة خفيّة ، جعلَتني أتعامَل معهم كشخصٍ غريب حضَر حفلهم ، بادَلتهم الابتسَامة وانصَرفت ..
بعدَ سبعة أشهر من ذَلك الزّفاف ، في مقر عملِي فاجَأني بزيَارته ، بعدَ السّؤال عن الحَال ، شكى من سوء تفاهمه المتكَرر مع زوجَته الجديدَة ، وأثنَى كثيرًا عن جمَال أيامنَا معًا ، وبعدَها قال بصوت متهدّج :
ـ هدى ، سأطلب منكِ شيئًا وحيدًا كٱخر طلَب لي ..
ـ تفضّل ..
ـ حينَ تتزوّجين وترزقِين بأولاد سميهِم كمَا اتفقنَا قبل زفَافنا " أميمة وأمين " ...
ـ بإمكانكَ أن تفعَل ذلكَ أنت ، أنتَ أقرب إليهم منّي ، فأنت بزوجَة وأنا ما زلتُ لوحدِي ..
ـ ودِدتُ ذلكَ حقًّا ، لكِن للأسَف ، قمتُ بإجراء تحاليل مؤخّرا لنفسِي ...
طأطأ رأسَه ، وأضاف :
ــ أنا عقيم يا هدى .....
0 تعليق
إرسال تعليق