عدت بنصف حياة ونصف روح ونصف قلب وحزن كامل، لأكتب عن تجربة غياب فاشلة.
عدت بنصف حياة ونصف روح ونصف قلب وحزن كامل، لأكتب عن تجربة غياب فاشلة. عدت بذاكرة حبلى بالحنين، مزدحمة كأني عشت قرنا أو يزيد. أملك ذاكرة سيئة، لا تنسى شيئا مما أود نسيانه، وتنسى ما دون ذلك. أواجه مستقبلي اليوم وأنا مثقل بهواجس الماضي، لا أكاد أخطو خطوة نحو الغد دون اتعثر بشيء من الماضي. أكتب لكم اليوم بعين دامعة وقلب حزين يقف عند ناصية حلم تبخر، حلم عشت تفاصيله دون أن أنجح في تحويله إلى واقع. أستحضر الآن ، بعضا من البراءة التي سقطت مني بمباركة قدر لعين، وبتواطئ حقير من أقرب المقربين.
للقرية التي غادرتها منذ زمن، رائحة الخبز المحلى، ينام فيها الليل باكرا حتى لا يسبقه الاطفال في الاستيقاظ. في تمام الثامنة صباحا، غادرت حلمي مهرولا للحاق بكلمة "صباح الخير" من عيون أمي. تضمني برموشها في حضن بحجم الجنة وبرائحة الياسمين قبل أن تسألني عن حالي. الحب هناك، إشارات وعلامات واهتمام، لكنه اخرس، لا يتكلم ولا يبوح..! الحب في قريتي يمارس سرا وخفية، لا نبوح به كأنه إثم لا يُغتفر، نكتمه حتى لا يطفو ضعفنا أمام قسوة العيش في دروب الحياة غير السالكة. لكننا لا نخجل من انفسنا حين نقسوا على بعضنا البعض، حين نسلب حق الآخرين، حين ننهي آمالهم بزلة لسان أو استهزاء قاتلة.
لهذه المدينة أقنعة شتى، كما للحقيقة تماما. المال لغة مفهومة، والمنفعة الشخصية غاية كل ابتسامة تُصادفها. الكؤوس تُقرع بمذاق الآهات. بائعات الهوى بالتقسيط أشرف ممن تاجر بمعاناة أجير مستضعف. في هذه المدينة المتقلبة المزاج، تقلّب جوها أربع مرات في اليوم الواحد، قد تنقلب حياتك رأسا على عقب، فقط لأن أحدهم قرر أن يبيعك بثمن بخس. و"ليس المؤلم أن يكون للإنسان ثمن بخس، المؤلم أن يكون للإنسان ثمن".
عدت متأخرا، إلى نفسي، إلى غرفتي القديمة.. أصبحت أستطيع الغناء حتى ساعة متأخرة، وان أنام دون أن آخد جرعتي اليومية من حب أمي.
عدت لصورتي العالقة في المرآة منذ تلك اللحظة، حين قررت أن يكون قلبا آخر هو غرفتي..! أتفقد الآن الستائر والنوافذ بهلع وخوف شديدين، خيفة ان تطير بالشؤم عصافيري..! وطارت، طارت حين بكت عيني وصدق حدسي..!
وحيدا كالله في هذا المساء، نفسي أولى بأفكاري من أي مخلوق آخر أفسد حياتي بالعبث والنسيان..
تعلمت أن لا اتسبب لنفسي بالمزيد من الأذى، وألا اقضي وقتي بالتفكير في أحد، فلا أحد يستحق أن تنتقل ملكية ذاكرتي له عن طواعية مني.. أنا أحق بتاريخي وأولى بصراحتي..! أولى بالحب..
كنت كمن يدخل إلى الحياة بصدر من زجاج، واثق من أن الناس طيبة وصدري سميك وأن الميدان فارغ، مضيت في وجه الحب بقلب لا غطاء له..! وعدت بلا قلب ولا عقل وبصدر منكسر.
الآن، لم يعد يعنيني أي شيء. مع كمشة من الخذلان استطيع التماشي مع نفسي.. أستطيع الرقص وحيدا بلا ضجر، ورأسي يدور في كل الاتجاهات حسب ما تفرضه الموسيقى الصاخبة.. مفترضا وجود جمهور مشجع يصفق وآخر معجب مغمور في صمته، وثالث يموت حسدا وغيضا..! فلا شيء يخسره من لا يملك شيئا..
خطوة فقط تفصلني عن الربيع!!
0 تعليق
إرسال تعليق