مشهد سينيمائي : سرد جد ممتع
الدكـتور "أحمد السلوانـي ".. مكتوب هذا الإسم على لائحة سوداء مثبته بعناية فائقة، وجدتني أقرأ هذا الإسم بينما أنا واقف أمام بوابة عمارة شاهقة، أعدت رجلاي مدرجات العمارة واحدة تلوى الأخرى، الدرج السبعين قادني نحو ضالتي، الإسم نفسه مكتوب بخط عريض في أعلى واجهة القاعة، شواهد عديدة معلقة، وصورة ديكتاتور جامدة صماء كصاحبها، وسط الحشر وضعت مؤخرتي على كرسي غير مستوي من العود الصلب، تقابل وجهي العابس مع وجوه أشد عبسا من وجهي، سحنات وجوه شاحبة تتفحصني، عجوز يعبث بعصاه المهترئة، وطفلة شقراء جميلة تغني نشيد الوطن بينما صاحب العكاز المهترئ تشفق عليها نظراته القاسية، فهمت الحكاية أو دعنا نقول أنني فهمت بعضا منها، فبعض الحكايا تفهم بلامحات العيون فقط..
قرأت مجلتين وجريدة، ودخنت في الخارج نصف علبة سجائر، ثم نادت علي مستقبلة المعطوبين مخبرة إياي أن لحظتي قد حانت، فتحت لي الباب ثم استقبلني الطبيب الشاب ببشاشته المزورة، ابتسامة لم أرى فيها إلا سخرية مني أو شفقة على قدري اللعين..
مرحبا سي سعيد !!
مرحبا دكتور..
اش عندك...؟؟
أخبرته بأشياء وأشياء اخفيتها عنه، من الشهامة ألا تفشي بعض أسرارك حتى لطبيب، في متاهة ثرثرة الطبيب حضر جسد المستقبلة أمامي، بجسدها الأبيض الممشوق وتنورتها القصيرة، وافخاذها المليحتين البيضاوان، والنهدين العاريان يتراقصان حول أنفي، أشم فيهن رائحة أنوثة خالدة، عريتها في خيالي، ازلت تنورتها وقميصها الشفاف، بدت ساحرة جذابة، تبانها الوردي المشبك الشفاف يستهويني وحمالة صدرها تثيرني، وشعرها الأسود الممشوق يلهب مكنوناتي الدفينة، اخيرا قال لي الطبيب هل كل شيء واضح..؟؟ أجبته بنعم.. في خيالي كنت أقصد الجسد أما عنه فلم أكن أعرف ماذا يقصد بالذات، قال أنه علي أن أشتري هذا الدواء إن لم ينفع معي يجب علي أن أعود في الأسبوع المقبل..
ودعته وتمنيت أن أعود..
أتخيل أحيانا لو أنه الرحيل قد حان، ربما النهاية وشيكة، يرتجف جسدي، واستيقظ في الليل مرعوبا خائفا، أشرب وصفة الدواء و الكثير من الماء، وأحيانا أغرق في الحمام وسط الماء الدافئ، أستسلم لقطرات الماء آلتي تدغدغ جسدي العاري، أغمض عيني واسبح في خيالي، ألمح طفولتي الهاربة مني، اشكو لها حالي، أحن إلى بداية التسعينيات، جارتنا حادة وهي تروي لنا قصص أمي الغولة ونحن الأطفال مجتمعين حولها، والشمعة توشك أن تنطفئ في ليلة مظلمة دامسة مشحونة بالمطر الغزير، شابات الحي اليافعات وهن جالسات يتغامزن فيما بينهن، يشاركنني دوما اسرارهن لأنني كنت كاتب رسائلهن الغرامية، وكنت القارئ أيضا، ما زلت أذكر يامنة الشابة القروية آلتي كانت تدخلني معها إلى الحمام، تدلك ايري باناملها الناعمة وتطلب مني أن أرد لها الجميل، اسألها لماذا فتجيبني " إنها رياضة فنية سرية علي ألا أبوح بها".. ذات مرة بحت بالسر لصديقاتها، لقد كانوا يعرفن عن الأمر، ارغموني على البوح وبحت لهن، اتفقوا مع يامنة أن تقتسم معهن اللعبة، وصرت كل مرة مع واحدة، أمي المسكينة كانت تعتقد أنهن يبتغين مساعدتها، الحقيقة شيء آخر، شيء جميل لم يكن يخطر ابدا على بال أمي..
غفوت في الحمام، تناولت الدواء قبل ساعة وكدت اتناوله مرة أخرى، صوت أذان الفجر إنها قرابة الخامسة صباحا، خلدت إلى فراشي عاريا، نمت على ذكرى إمرأة عشقتها حتى النخاع، إن أسوأ ما في الرحيل ألا ترافقني، لست متأكدا إن كنت ساراها في الآخرة، أدعوا الله أن أراها عما قريب، رتبت لكل شيء في سبيل لقياها بعد شهر، أخترت الملابس آلتي سارتديها والحذاء الذي سيناسب رحلتي، أخترت القطار طواعية، ورتبت بعض الكلمات آلتي سأواجهها بها، وأشياء أخرى لا داعي أن تعرفوا عنها أي شيء..
تؤلمني عودتي من حضنها أكثر مما يؤلمني الرحيل، أخطط للبقاء بصحبتها، اتفقنا أن نعيش في قرية ريفية أو في منطقة جبلية خلابة، سنسكن وسط بيت من تراب وقصب، وسنربي دجاحة وديك، وسنقتني مزرعة نرقص فيها وسط السنابل فرحين بموسم الحصاد، وسنمضي الأمسيات تحث أشجار الأركان والزيتون، سننفصل عن صخب العالم للأبد، ستتطهو الخبز وسط نار الخشب بينما أنا اطهو العشاء فوق الجمر، وسننام في العراء نتأمل النجوم معا ونغرق في اشتياق القبل ونمارس الجنس وسط صيحات الكلاب المستمرة..
Said Zrigou
0 تعليق
إرسال تعليق